إستأثر «يوم التأمل والصلاة من اجل لبنان»، الذي دعا إليه الحبر الأعظم البابا فرنسيس، بمشاركة 10 من قادة مختلف الطوائف المسيحية في لبنان، بكل متابعة واهتمام، فكانت مناسبة للخروج، ولو مؤقتاً، من مشهد الأزمات اللبنانية الحكومية والسياسية والمالية والمعيشية والاجتماعية، إلى صورة مشرقة تؤشّر إلى مدى اهتمام الكرسي الرسولي بالشعب اللبناني أكثر من اهتمام المسؤولين اللبنانيين بشعبهم. ونقلت معظم وسائل الإعلام العالمية الحدث الفاتيكاني في خطوةٍ أعادت تسليط الضوء الدولي على لبنان وأزماته، وذلك في رسالة أراد الفاتيكان توجيهها إلى عواصم القرار في العالم مفادها انّ لبنان يحظى باهتمامه ومتابعته ولن يسمح بانهياره وسقوطه، وهذا ما يفسِّر اللقاءات التي سبقت هذا الحدث، سواء اللقاء الأميركي - الفرنسي أو اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية واشنطن وباريس والرياض، لأنّ للفاتيكان تأثيره المعنوي الكبير دولياً، وهناك رغبة دائمة في التجاوب مع مساعيه.
وإذا كان من غير المتوقّع ان يُحرج هذا اللقاء المسؤولين المعنيين بتأليف الحكومة الذين ليسوا في وارد التلاقي على مساحة مشتركة من أجل إنهاء الفراغ في ظل تَبديتهم مصالحهم على اي اعتبار آخر، إلّا انّ هذا الحدث كفيل بتَزخيم مساعي عواصم القرار لتأليف حكومة وتوفير كل مساعدة ممكنة للشعب اللبناني من أجل ان يصمد ويتمكّن من تجاوز هذه الأزمة بأقل أضرار ممكنة.
وفي سياق الرسائل التي أراد قداسة البابا توجيهها، رسالة إلى اللبنانيين مفادها انه لو ترك كل العالم لبنان، فإنّ الفاتيكان سيبقى إلى جانبه ولن يسمح بأي تسوية على حسابه، ولن يترك شعبه يجوع ويغرق في أزماته، ولا شك في انّ هذه الخطوة أعطت دفعاً للبنانيين الباحثين عن لقمة عيش وسط أزمة مالية خانقة، وأشعرتهم بأنهم غير متروكين لقدرهم ومصيرهم.
وكان قداسة البابا فرنسيس قد وجّه أمس رسالة أمل الى اللبنانيين، داعياً إيّاهم الى ألا يحبطوا وطالِباً من قادتهم السياسيين إيجاد «حلول عاجلة ومستقرة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة». وعبّر البابا بعد اجتماعه مع 10 من رؤساء الكنائس اللبنانيين، خلال كلمة ألقاها في كاتدرائية القديس بطرس، عن «قلقه الشديد لرؤية هذا البلد الذي أحمله في قلبي ولديّ الرغبة في زيارته، يتّجه بسرعة الى أزمة خطرة». وتوجّه في حضور ديبلوماسيين الى اللبنانيين وقادتهم السياسيين وإلى «أعضاء الاسرة الدولية»، طالباً أن تتوافر «الشروط عبر جهد مشترك حتى لا ينهار البلد (لبنان)، بل ان يسلك طريق النهوض». ووجّه بعض السهام، كان أولها الى الطبقة السياسية اللبنانية مؤكداً أن لبنان «لا يمكن أن يترك لمصيره أو تحت رحمة هؤلاء الذين يسعون بلا ضمير إلى مصالحهم الشخصية»، وأنه «ليس هناك من سلام بدون عدالة». امّا ثاني هذه السهام فوجّهها الى دول أخرى متهمة «بتدخّل تعسفي»، قائلاً :»يجب الكف عن استخدام لبنان والشرق الأوسط لمصالح ومكاسب أجنبية!». واكد انّ «لبنان بلد صغيرعظيم لكنه أكثر من ذلك: هو رسالة عالمية للسلام والأخوة تنبثق من الشرق الأوسط».
ما بعد الفاتيكان
الى ذلك، فإنّ ما بعد هذا الحدث الفاتيكاني لن يكون كما قبله، وليس المقصود طبعاً ان تعالج الأزمة اللبنانية اليوم وغداً، إنما المقصود انّ اليوم الفاتيكاني الطويل ستكون له ارتداداته السياسية الإيجابية لجهة ان الإرادات الدولية ستتحرّك لإيجاد الحلول السياسية المناسبة، وستضع كل جهودها دعماً للشعب اللبناني.
وفي هذا السياق، صرّح مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، في مقابلةٍ مع قناة CNBC، أنّ الوضع الاقتصادي في لبنان يواجه «كارثة فورية»، وقال: «إنّ قادة البلاد بحاجة إلى إظهار الإرادة للإصلاح قبل أن يتم تقديم أي مساعدة خارجية». وأضاف: «لن يكون هناك أي خطة إنقاذ دولية، لكن ستكون هناك مساعدة كبيرة لبرنامج الإصلاح». وأكّد «أنّ الحلّ في أيدي القادة اللبنانيين، وعليهم أن يُثبتوا لنا أنّ لديهم الإرادة والقدرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة حتى لا يضيع أي تمويل دولي، كما حدث سابقاً». وقال انّ على اللبنانيين ألّا يتوقعوا «خلاصاً خارجياً».
فرنسا: لتلافي الانهيار
وفي هذه الاثناء أكدت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو، أمس، خلال إطلاق مشروعَي تحديث «تلفزيون لبنان» و»إذاعة لبنان» و»الوكالة الوطنية للاعلام» ومديرية الدراسات وأرشفتها، أنّ «الأوقات صعبة جداً ويجب التحرّك بسرعة لتلافي انهيار لبنان مع كلّ الأخطار التي يحملها لكلّ ما يشكّل فرادة هذا البلد الذي نحبّ». وشدّدت على «وجوب الاستماع الى النداء المُلحّ الذي تطلقه فرنسا مع المجموعة الدولية منذ أشهر للقيادات السياسية بغية تأليف حكومة تُنجز الاصلاحات الاساسية والملحّة، فالوقت لم يعُد للحسابات الانتحارية القصيرة المدى، إذ إنّ مصير لبنان واللبنانيين على المحك».
دور محوري ومعنوي
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تتبّع مباشرة عبر شاشة التلفزيون، وقائع افتتاح البابا فرنسيس لـ»يوم التأمل «، وغرّد عبر «تويتر» كاتباً: «اليوم يشارك العالم قداسة البابا فرنسيس الصلاة والتأمل من أجل لبنان».
من جهته، أمِل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري «ان يتكلل اللقاء الفاتيكاني بالنجاح بدعاء جميع اللبنانيين لحماية عيشهم المشترك».
بدوره، غرّد رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، كاتباً: «وجود المسيحيين في لبنان مرتبط بدورهم فإذا انتفى الدور انتفى الوجود؛ تَعاطي الفاتيكان معهم بأقل من ذلك يصيبهم بأضرار بالغة أقلّها هجرتهم الكاملة؛ دور الفاتيكان محوري ومعنوي».
جمود وغموض
يستمر الجمود طاغياً على جهة التأليف الحكومي في غياب أي مؤشرات على تحّرك قريب في شأن هذا الاستحقاق، حيث لا يصدر أي مواقف عن اتصالات او لقاءات تُعقد او ستعقد بين المعنيين لإنجاز هذا الاستحقاق، فيما البلاد تمضي الى مزيد من الانهيار وعلى المستويات المالية والاقتصادية والمعيشية بالتزامن مع حراك واحتجاجات في الشارع بدأت تهدّد بتزَعزع الوضع الامني، والتعرّض للمؤسسات العسكرية والامنية التي يعلّق اللبنانيون الآمال عليها للحفاظ على أمن البلاد واستقراره في انتظار تأليف الحكومة الجديدة والبدء بتنفيذ الاصلاحات الانقاذية المطلوبة.
«الأبواب مقفلة»
وقال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ»الجمهورية» انّ «الوضع في البلد يتدهور بوتيرة متسارعة، وسط قرارات عشوائية وغير مجدية في غالب الأحيان».
ونَبّه الى خطورة ترك الجيش وحيداً على الارض من دون غطاء السلطة السياسية التي يجب أن تواكبه بإجراءات عملية ومفيدة لمساعدة الفقراء «لا أن تضعه في مواجهتهم».
وشدد على أنّ العلاج الحقيقي يبدأ في السياسة مع تشكيل حكومة مهمة، «لكن للأسف الأبواب لا تزال مقفلة»، داعياً الى امتلاك شجاعة تبادل التنازلات. وأضاف: «يخطئ البعض، مثل الاستاذ جبران باسيل، اذا كان يظنّ انه يمكن الدخول حالياً في تعديل للدستور، وبالتالي هناك أصول دستورية معتمدة تخضع اليها مسألة اعتذار الرئيس المكلف، ولا يمكن أن تفرضوا على الرئيس سعد الحريري الاعتذار اذا لم يكن القرار صادراً عنه. (راجع ص 5)
البخاري والسنيورة
وكان اللافت أمس زيارة السفير السعودي وليد البخاري للرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، والتي جاءت غداة استقباله السفيرة الاميركية دوروثي شيا. وقال المكتب الاعلامي للسنيورة انّ اللقاء «كان مناسبة لاستعراض الاوضاع في لبنان من مختلف جوانبها، اضافة الى العلاقات الثنائية بين البلدين».
دريان والمستقبل
وعلى صعيد الاحتجاجات في الشارع، وبعد الأحداث التي شهدتها مدينة طرابلس أمس الأول، والتي أنذرت بانفجار شعبي كبير وبتوترات أمنية، ناشَد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أمس الجيش والقوى الأمنية «رَدع كلّ من يحاول الإخلال بالأمن في المناطق اللبنانية كافة، والضرب بيد من حديد منعاً من الوصول الى الأمن الذاتي الذي يرفضه الجميع، مع حفظ حق المواطنين في التعبير السلمي عن أوجاعهم». ونبّه من أنّ «أي تعرّض للجيش هو تعرّض لجميع اللبنانيين الشرفاء الذين هم مع جيشهم حامي وطنهم».
من جهتها، أكّدت قيادة «تيار المستقبل» في طرابلس أنّ «عروس الثورة» لا يُمكن أن تتحوّل صندوق بريد لرسائل الفوضى والخراب، ولا أداة ضغط في العملية السياسية المرتبطة بمخاض تأليف حكومة إنقاذ». وأهابَت بأبنائها «التنبّه لِما يُحاك لها من مخططات ومؤامرات تستدرج الفتنة، وتفويت الفرصة على جميع الغرباء عنها والطارئين عليها ممّن يعملون على ضرب أمنها وسلامها واستقرارها».
حكومة انتقالية
في غضون ذلك، نفذ أمس عدد من الناشطين في «حراك صيدا» وقفة احتجاجية عند تقاطع ايليا في صيدا، ورفعوا لافتة كبيرة طالبت بحكومة انتقالية وانتخابات نيابية، كذلك رفعوا علماً لبنانياً كبيراً، وشددوا على «ضرورة التغيير من خلال الانتخابات لإيجاد حلول لواقع الازمة اللبنانية المستفحلة».
ومن ساحة الشهداء في صيدا، إنطلقت مسيرة راجلة جابت شوارع المدينة، وذلك احتجاجاً على تَردّي الوضع الاقتصادي والمعيشي وارتفاع صرف الدولار، وسط هتافات تدعو للنزول الى الشارع من اجل التغيير وإيجاد حلول لواقع الازمة التي يعيشها المواطن.
وفي بعلبك، قطع عدد من سائقي الفانات الطريق الدولية عند دوار بلدة دورس لجهة مدخل بعلبك الجنوبي في الاتجاهين، احتجاجاً على ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها.
كذلك، نفّذ عدد من المحتجّين مسيرة انطلقت من ساحة الشاعر خليل مطران وجابت السوق التجاري في المدينة، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ورَدد المشاركون هتافات طالبت بمحاسبة الفاسدين.
وفي الشمال، قطع محتجون طريق البداوي الدولي في الإتجاهين بالشاحنات وحاويات النفايات، استنكاراً لتردي الأوضاع المعيشية وانهيار سعر صرف الليرة وانقطاع التيار الكهربائي ونفاد مادة المازوت، ما أدى إلى توقف مولدات الكهرباء الخاصة عن العمل.
وشهد الطريق ازدحاماً خانقاً للسيارات، وكذلك الطرقات الفرعية التي جرى تحويل حركة السير إليها.
إستمرار دعم الدواء
من جهة ثانية وعلى الصعيد الصحي، ترأس رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس، اجتماعاً في حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وزير المال، وزير الصحة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في أزمة الدواء والحلول الآيلة الى الحدّ من تداعياتها السلبية. وصدر عن الاجتماع بيان أكد «توافق على الاستمرار في سياسة دعم الدواء والمستلزمات والمغروسات الطبيّة ضمن آلية تطبيقية تَلحظ الأولويات المحدّدة من وزارة الصحة وفق خطة الترشيد المرفوعة من رئيس الحكومة الى مجلس النواب، وضرورة دعم الصناعات الدوائية الوطنية بالتنسيق بين وزارة الصحة ونقابة صناعة الأمصال والأدوية اللبنانية». ولفتَ الى أنه «ستصدر لاحقاً موافقة استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة من أجل تثبيت استمرار سياسة دعم الدواء والمستلزمات والمغروسات الطبيّة».
كورونا
أمّا على مستوى التلقيح ضد «كورونا»، فنشرت وزارة الصحة العامة، أمس، التقرير الذي أعدّه برنامج اليقظة الدوائية المكلّف تتبُّع الأحداث الجانبية المحتملة للقاحات COVID-19 في الفترة الممتدة بين 14 شباط و30 أيار 2021. وجرى الإبلاغ التلقائي عن 2856 تقريراً تضمّنت تسجيل آثار وأحداث جانبية بعد إعطاء 837 ألف و817 جرعة لقاح من أنواع «فايزر»، «أسترازينيكا»، «سبوتينك»، «سينوفارم»، ما يُعادل تسجيل 3.4 تقارير لكلّ 1000 جرعة جرى تلقّيها (3.4 / 1000)، فيما أنّ الحالات الجديّة للآثار الجانبية للقاحات بلغت 0.058 في الألف.
وسجّل عداد «كورونا» امس، بحسب التقرير اليومي لوزارة الصحة، 150 إصابة جديدة و3 حالات وفاة.
أزمة المحروقات
على صعيد ازمة المحروقات بقيت الطوابير طويلة امام المحطات، وطمأنَ ممثل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا إلى أنّ البواخر بدأت التفريغ، وبدأت الشركات المستوردة للنفط بتوزيع المحروقات على المحطات، وأنّ هناك شركات أبدت استعدادها للتوزيع في أيام العطلة لإراحة السوق. وقد صدر أمس جدول تركيب أسعار المحروقات الجديد، وجاءت هذه الأسعار بحسب الجدول الصادر عن المديرية العامة للنفط: بنزين 98 أوكتان: 72200 ليرة. بنزين 95 أوكتان: 70100 ليرة. ديزل أويل: 54400 ليرة.